سطوة التفاهة وحراس الجودة

سطوة التفاهة وحراس الجودة

A- A+
  • طفا على السطح في المدة الأخيرة جدل واسع حول بروز نجم العديد من الأشخاص عبر وسائط التواصل الاجتماعي ممن يحققون “البوز” ليس من خلال عمل فني باهر، أو تأليف كتاب إبداعي جميل، ولا من خلال عمل إنساني يترك بصمته على المجتمع ويخلد اسمهم عبر التاريخ وينقش عملهم في الذاكرة الوطنية، فمعظمهم أشخاص جد عاديين ينتمون للقاع الاجتماعي، ومستوى ذكائهم غير ملفت للانتباه، أمثال “نيبا وساري كول وإكش وان” وغيرهم.. ممن راجت أسماؤهم في اليوتوب خاصة ووسائط التواصل الاجتماعي الأخرى، وقد وجهت أصابع الاتهام إلى المواقع الإلكترونية وعلى رأسها قناة “شوف تيفي” التي لي شرف إدارتها.

    ما أود قوله في هذه الزاوية، هو أن نفتح نقاشا هادئا وعميقا حول ما يحدث، من أجل فهم الظاهرة واستيعاب أبعادها، لقد تغيرت وظائف الصحافة منذ دخل العالم الرقمي مجال الاتصال والتواصل، وأحدث خللا في أشكال الفهم التقليدي لوظيفة الإعلام وبُعد الحق في المعلومة، وبرز ما يسمى بصحافة المواطن وصحافة القرب، وهذا يفرض تغيير وعينا بأبعاد القضية. وعلى حراس الجودة وحماة الذوق العام أن ينطلقوا من بيوتهم ومن أبنائهم، ومن محيطهم العائلي ليروا إلى ما يميلون إليه والمواقع التي يزورونها، والأغاني التي ينصتون لها وعلاقتهم بالجرائد الورقية وقراءة الكتاب عامة، قبل أن يحاكموا الإعلام الإلكتروني وينصبوا له المشانق.. ويحملوه لوحده مسؤولية ما يقع في العالم، والمغرب ليس سوى ذرة صغيرة في الثورة التي أحدثها الويب في هذا الكون..

  • إن العديد من التفاهات التي تبرز بين الفينة والأخرى هي جزء من بنية هذا المجتمع، وما أنتجه تطور نظامه التعليمي، فحوار فاعل سياسي وازن لن يتابعه أكثر من بضع عشرات من الزوار، وعبارة فاه بها مواطن بسيط عن أنفلونزا الخنازير، صارت على لسان جل إن لم أقل كل المغاربة على سبيل النعت القدحي أو السخرية، وعرسه استقطب ملايين الزوار بشكل ملفت للانتباه، أعرف أن العديد من نجوم “البوز” مجرد فقاعات صابون سرعان ما تنطفئ، لكن هل هؤلاء جاؤوا من المريخ وصنعهم الإعلام الإلكتروني، أم أن “شوف تيفي” هي التي خلقتهم؟.

    نحن نحاول أن نفهم فقط ما يحدث في عمق مجتمعنا، فكل هؤلاء الذين برز نجمهم هم جزء من بنية هذا المجتمع، وحصولهم على زيارات خيالية من طرف المواطنين، يدل على أنهم يجيبون على حاجة في نفس هذا المجتمع، ولا يمكن أن نحاكم لا قناة “شوف تيفي” ولا باقي المواقع الإلكترونية، إذا كان ذوق وقيم مجتمع أخذت في التحول من الجد والقضايا الكبرى والسياسات النخبوية التي شغلت المغاربة خلال القرن الماضي إلى هذا المستوى الهزيل من النقاش، وعلى حراس الجودة أن يلتفتوا إلى ما جعلنا نصل إلى هذا الوضع، المغاربة اليوم يميلون إلى السخرية من أنفسهم، ويقبلون على البسيط والفضائحي والفكاهي الذي أصبح يشبع حاجات موضوعية لم يختلقها الإعلام الإلكتروني الذي أصبح يتوجه نحو صحافة القرب أكثر ويغطي ما يدخل في دائرة اهتمام المواطنين.

    لم يعد المغاربة اليوم ينصتون إلى الزعيم السياسي والمحلل الفكري والباحث الذي يتكلم بلغة عربية سليمة لكنها للأسف بعيدة عن فهم واستجابات الناس، الميكروفون اليوم يعطى للبسطاء الذي يعبرون بتلقائية عن قضاياهم ويعكسون وعيهم وهذه نقطة قوة “شوف تيفي”.. وإذا كان الكثير من هذا يثير حساسية حماة الجودة، فإن الإعلام الإلكتروني لن يقبل أبدا أن يعيش دائما في الأبراج العاجية بالعكس خدمته الأساسية هي أن تعبر امرأة بكل جرأة عن اغتصابها، أو ضياع ابنتها، ومواطن بسيط شرده أبناؤه، وفتاة طردتها زوجة أبيها، وزوج خدعته زوجته.. باللغة التي نفهمها، لغة اليومي، لغة الجسد…

    إن تتبع المواطنين لهذه المواقع بالملايين والإعجاب والبارطاج، يدل على أن هذا الإعلام يلبي حاجة نفسية واجتماعية للمغاربة، ولا يمكن محاكمتنا بتدني الجودة وبالانتصار للتفاهة، أبدا.. فنحن في “شوف تيفي” مثلا حاضرون في كل الندوات الثقافية والفنية والسياسية ونغطي كل الأخبار التي تروج في البلد، ونعتبر من واجبنا أيضا الالتفات إلى ما يوجد في العمق الاجتماعي، عشرات الناس يقصدون مقر منبرنا، ويعرضون مشاكلهم ولا يمكن أبدا أن نصدهم إذ أن ذلك من صميم مهامنا وواجبنا المهني، وهم جزء من هذا المجتمع، وإذا كان المغاربة يقصدوننا في إطار الحرية التي يمنحها الويب، فنحن غير مسؤولين بأية حال عما يعتبره حراس القيم “تدنيا للجودة” في المجتمع. فالخلل موجود في المؤسسات الثقافية والتعليمية وفي الأسرة وصناع الذوق العام، ولا يمكن للإعلام الجديد أن يحيى إلا في المجتمع الذي يتنفس من رئتين… هذا رأيي ولكم واسع النظر..

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    الدارالبيضاء تستعد لاحتضان النسخة الثالثة من التظاهرة MOROCCO MALL JUNIOR PRO