عادل بن حمزة يكتب… أفريقيا الأطلسيّة والدّور المغربي

عادل بن حمزة يكتب… أفريقيا الأطلسيّة والدّور المغربي

A- A+
  • انطلقت في العاصمة المغربية الرباط أول أمس أعمال الاجتماع الوزاري الأول لدول أفريقيا الأطلسية، بمشاركة 21 بلداً مطلاً على الواجهة البحرية الأطلسية، يقول المنظمون إن هذا الاجتماع يسعى إلى بلورة رؤية أفريقية جماعية تهم الواجهة الأطلسية للقارة الأفريقية، باعتبارها فضاءً حيوياً يساهم في إعادة الاعتبار للهوية الأطلسية لأفريقيا وفضاءً للتعاون الاقتصادي والأمني والثقافي، بما يخدم المصالح الاستراتيجية للقارة. هكذا، وعلى مدى ثلاثة أيام سيناقش المشاركون في هذا الاجتماع، ثلاثة محاور رئيسة تتعلق بـ”الحوار السياسي والأمن، والسلامة”، و”الاقتصاد الأزرق والربط”، و”البيئة والطاقة”.

    المبادرة المغربية تدخل في إطار رؤية المغرب للقيمة الاستراتيجية للمحيط الأطلسي، وكيف يمكن استثمارها في إطار تعاون جنوب جنوب وفق منطق رابح رابح، هذه المبادرة تدخل أيضاً في إطار قراءة جيواستراتيجية عميقة للتحولات على الساحة الدولية، ذلك أن العالم اليوم يشهد عودة كثيفة للاتحادات الإقليمية والجهوية في ظرفية، أصبح من الصعب على الدول الدفاع عن مصالحها منفردةً، خاصة أن دول المنطقة، حسب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، تواجه تحديات عدة، أبرزها التحديات الأمنية، وذلك في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة، إضافة إلى تحديات الأمن البحري، حيث إن 90 بالمئة من الحوادث البحرية، بما فيها القرصنة، يتم تسجيلها على طول ساحل المحيط الأطلسي بالواجهة الأفريقية، كما أن منطقة أفريقيا الأطلسية تحطّم جميع الأرقام القياسية من حيث قابلية التأثّر بالمناخ، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالتنمية البشرية والاقتصادية والتنمية المستدامة.

  • المبادرة المغربية تأتي في ظل الجمود الذي تسعى بعض الدول الأفريقية فرضه على الاتحاد الأفريقي، خاصة في ظل رئاسة السنغال الخليفة الرئيسي للمغرب، حيث يشهد الاتحاد في السنوات الأخيرة جملة من التغييرات التي تهدف إلى جعله رقماً أساسياً في ما يتم صياغته من مستقبل للعالم، فالدول الأفريقية الأطلسية الـ23 تشكل 46 بالمئة من سكان القارة، كما أنها تمثل 55 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، كما تحقق أنشطتها الاقتصادية 57 بالمئة من التجارة بالبر الرئيسى، كما أن المنطقة تعتبر ملتقى جزء هام من التجارة البحرية العالمية، وما تمثله أيضاً من غنى على مستوى الروابط الثقافية.

    وزير الخارجية المغربي أكد، خلال افتتاح الاجتماع الوزاري، أن دول المحيط الأطلسي الأفريقية، رغم المزايا التي تتمتع بها، لا تستفيد سوى من 4 بالمئة فقط من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بالواجهة الأطلسية، في الوقت الذي تستفيد فيه الدول المطلة على المحيط من الضفة الشمالية من 74 بالمئة، مشيراً إلى أن الدفاع بصوت واحد عن المصالح الاستراتيجية للقارة، هو السبيل الوحيد لحصد ثمار هذا الفضاء الواعد بالفرص، ذلك أن أفريقيا الأطلسية تمتلك كل شيء تقريباً لتكون منطقة سلام واستقرار وازدهار مشترك حسب بوريطة.

    الحضور المغربي في أفريقيا عرف في العقدين الأخيرين تحولاً ذا بعد استراتيجي، قاده شخصياً العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي قام بقرابة 47 زيارة رسمية لدول القارة شملت 25 بلداً، توّجت تلك الزيارات بأزيد من ألف اتفاقية مع مختلف بلدان القارة الأفريقية، شملت المجالات التجارية والصناعية والثقافية والرياضية، كان فيها لدول غرب القارة النصيب الأكبر، حيث يعرف الحضور المغربي في قطاع الأبناك والتأمينات والاتصالات والطيران والزراعة حضوراً لافتاً، حيث بلغ حجم الاستثمارات المغربية في القارة 2.3 مليار دولار لتكون بذلك ثاني مستثمر أفريقي في أفريقيا، وأول مستثمر أفريقي في غرب القارة.

    ####

    تظهر أهمية الحضور المغربي في القارة الأفريقية في الدور الذي يلعبه المكتب الشريف للفوسفات OCP في أفريقيا المهددة تهديداً أكبر بأزمة غذاء حادة، كنتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا، والتي كانت موضوع اتصالات بين الرئيس السنغالي ماكي سال رئيس الاتحاد الأفريقي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، إذ تسيطر الشركة المغربية على أزيد من نصف سوق الأسمدة في القارة السمراء، بل إن الفوسفات أضحى أداة سياسية ودبلوماسية لتكريس التعاون جنوب جنوب، يظهر ذلك جلياً في عدد من المشاريع الكبرى على مستوى القارة الأفريقية، غير أن التحولات الجارية، وخاصة الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة، يلقي بظلاله على قدرة المغرب على الوفاء بالتزاماته اتجاه القارة الأفريقية وغيرها من الأسواق العالمية، على اعتبار أن المغرب مستورد للطاقة، وهو ما يؤثر على قدرته الإنتاجية، هذا الأمر سبق لمعهد الشرق الأوسط أن حذّر منه، خاصة في علاقته بالأمن الغذائي في أفريقيا.

    هنا تبرز أهمية أنبوب الغاز بين نيجيريا المغرب ذي الهوية الأفريقية الأطلسية الموجه إلى السوق الأوروبية، والذي سيصبح أطول أنبوب للغاز في العالم، بما يجعله بديلاً استراتيجياً للغاز الروسي في الأسواق الأوروبية، وتزداد أهمية هذا الأنبوب الذي يشمل كل دول غرب أفريقيا، عندما نعلم أن مختلف الدراسات المتخصصة تشير إلى أن الغاز الطبيعي سيتصدر مصادر الطاقة على المستوى العالمي سنة 2100، كما أن الرهان على المستوى الدولي بخصوص تخفيض نسبة ثاني أوكسيد الكاربون، يفرض البحث عن مصادر طاقة أقل تلويثاً، وهو ما يحققه الغاز الطبيعي الذي يلوث أقل بـ29 في المئة من النفط و44 في المئة من الفحم، وما يفرض الغاز الطبيعي كبديل، يكمن في كون الاعتماد على الطاقات المتجددة ما زال في بداياته، ويحتاج ثورة تنكولوجية لجعلها ممكنة الاستغلال على نطاق واسع بجدوى اقتصادية، فقد أصبح الغاز منذ بضع سنوات المصدر الأول للطاقة في دولة بحجم الولايات المتحدة الأميركية.

    هذه الأهمية المتزايدة للغاز الطبيعي، تجعله في قلب الصراعات المستقبلية على الساحة الدولية، بل إن جزءاً من الصراع حول سوريا منذ أزيد من عقد، إنما يفسّره الرغبة في التحكم في معابر الغاز في المستقبل، وخاصة في اتجاه أوروبا، حيث يشكل الغاز الطبيعي امتيازاً كبيراً لروسيا، وعبره تريد استعادة موقعها في الساحة الدولية، وهو ما يتحقق اليوم بشكل لافت يتجاوز مناطق الصراع التقليدية، إلى القدرة على اختراق نخب وأنظمة سياسية كما يجري مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وطيف واسع من أقصى اليمين الأوروبي. فهل تمكن أفريقيا الأطلسية من توفير الغطاء الأمثل لدور أقل للطاقة في الصراعات المستقبلية حول العالم؟

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي