بوح الأحد:أسبوع إعلان حكومة ٱنتظارات المغاربة و دخول فرنسا مرحلة السنوات العجاف

بوح الأحد:أسبوع إعلان حكومة ٱنتظارات المغاربة و دخول فرنسا مرحلة السنوات العجاف

A- A+
  • بوح الأحد: أسبوع إعلان حكومة ٱنتظارات المغاربة و دخول فرنسا مرحلة السنوات العجاف، في ظل سكوت الطوابرية و يتامى ماما فرنسا عن قرارات من محبرة اليمين العنصري الذي يتأهب لحكمها و أشياء أخرى

    أبو وائل الريفي
    ظهرت النتائج التفصيلية للانتخابات وفي طياتها أرقام وتفاصيل تستحق أكثر من قراءة لفهم توجهات الناخبين واستيعاب حجم الإحجام عن التصويت على العدالة والتنمية لأسباب كثيرة. و في المقابل، أظهرت تلك النتائج حاجة المغاربة إلى نموذج حكومي جديد بدأت ملامحه تتضح و من المرجح أن يتم الإعلان عنه الأسبوع القادم ليجرب حظه على محك الفعل. لذلك، سيشكل الأسبوع القادم بلا شك آخر أسبوع للعثماني بمقر رئاسة الحكومة ليفسح المجال للقادم الجديد الذي يدبر مشاورات تشكيل حكومته في سرية وبعيدا عن التسريبات، وهذه ربما سابقة تستحق أن تصبح عرفا في لحظة المشاورات.
    ينتظر المغاربة شكل هذه الحكومة وهندستها وبروفايلات وزرائها وبرنامجها لأن في كل ذلك مؤشرات على درجة تناغم مكوناتها وتضامن وزرائها وواقعية وعودها وفعالية عملها. فهل سيتوفق رئيسها في الاستجابة لهذه الانتظارات فتشكل لحظة الإعلان استمرارا للحظة انتخابية ٱستثنائية شهد بنجاحها المنتظم الدولي؟ هي أيام قليلة تفصلنا عن لحظة الإعلان وسنكتشف ذلك. والأكيد أن رسالة المغاربة وصلت لكل الأحزاب وسيكون لها ما بعدها على أدائهم.
    لم تعد تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الفرنسية سوى سبعة أشهر لمعرفة الساكن الجديد في قصر الإليزيه، وبعدها تكتمل الخارطة السياسية بالانتخابات التشريعية بعد شهرين تقريبا. كالعادة، انطلق الصراع الانتخابي مبكرا وبدأت الحمى تتصاعد بين مختلف الفرقاء. ما يميز الانتخابات القادمة هو سياقها الجديد الذي يتسم بخاصية داخلية وأخرى خارجية سيكون لهما أثر كبير في ما ستفرزه صناديق الاقتراع والدور الفرنسي إقليميا ودوليا مستقبلا.
    تتمثل الخاصية الخارجية في تراجع الدور الفرنسي دوليا، سيما في مناطق محسوبة تاريخيا على النفوذ الفرنسي، كما تتمثل في الضربات المتتالية التي تتلقاها الدبلوماسية الفرنسية والمنظومة الدفاعية من المحسوبين في خانة أصدقائها، وخير مثال الصفعة التي تلقتها فرنسا بعد إلغاء أستراليا لصفقة شراء غواصات فرنسية لفائدة صفقة مماثلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإلغاء سويسرا لصفقة شراء الرافال الفرنسية وتعويضها بمقاتلات إف35، وطريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بشكل أحادي دون إخطار أو تشاور أو إشراك للفرنسيين وغيرهم من الحلفاء الأوربيين. ويزداد الحنق الفرنسي حين يضعف التضامن الأوربي معها كما يحدث هذه الأيام، حيث تشعر فرنسا بالعزلة وفشل رهانها على هذا الاتحاد الأوربي.
    لقد بدأ ماكرون ولايته الانتخابية بالدعوة إلى تأسيس جيش أوربي موحد معتبرا حينها أنه يتوجب على الأوروبيين الدفاع عن أنفسهم في مواجهة روسيا والصين وحتى الولايات المتحدة. وأعلن ماكرون عدم رضاه عن حلف الناتو وسياساته أكثر من مرة بسبب الانفراد الأمريكي بقيادة هذا الحلف وتعاملها مع حلفائها الأوربيين بمنطق التابع وليس الحليف، وقد عبر عن ذلك ماكرون بصراحة ومضض في بداية ولايته وهو على متن حاملة الطائرات شارل ديغول ردا على تغريدات لترامب انتقد فيها فرنسا وذكرها بهزيمتها أمام ألمانيا. حينها قال ماكرون بأن “العلاقة بين حليفين يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل وفرنسا حليفة للولايات المتحدة لا تابعة لها”. فماذا تحقق من حلم ماكرون ونحن على مشارف نهاية ولايته؟
    أخطأت فرنسا التقدير حين فهمت بأن السياسة الأمريكية تجاه أوربا ظرفية ومرتبطة بمزاجية ترامب ونسيت أن تحولات دولية كبيرة يشهدها العالم قد تعصف بمجموعة من التحالفات خدمة لمصالح كل دولة على حدة بغض النظر عن الحزب الحاكم فيها، ومما سرع هذه التحولات جائحة كورونا التي جعلت كل دولة تفكر في مصالحها أولا. لذلك، فحلف الناتو صار من الماضي وينتمي إلى زمن الحرب الباردة ولن يكون له دور جماعي فعال ما لم يولد حلف مضاد كما كان الشأن مع حلف وارسو، ودون ذلك سيبقى رهن إشارة أمريكا وليس غيرها. على هذا المستوى من العلاقات بين الدول الكبرى، تراكم فرنسا الإخفاقات وتخسر مكانتها وسط حلفائها وتفشل جهودها في ريادة أوربا التي تتفكك يوما بعد آخر لأن اتحادها قام أساسا على الاقتصاد والدبلوماسية بينما بقيت قضايا أمنها ودفاعها تحت رحمة أمريكا. ولم يحصد الاتحاد الأوربي اقتصاديا غير الفشل وأصبحت دوله تشعر بعبء تحمل خسائر اقتصادات دول أعضاء بدون فائدة، وحتى الوجود الدبلوماسي للاتحاد الأوربي يتراجع بسبب تضارب مصالح دوله في العديد من القضايا والمناطق.
    للأسف، كل الرهانات الاستراتيجية لفرنسا كانت خاطئة، وتقديراتُها في العديد من الملفات كانت ضد مصالحها ولم تسهم إلا في توتير علاقاتها مع أصدقائها مثل أمريكا، وخير مثال مشاركة ماكرون في مؤتمر “التعاون والشراكة” الإقليمي ببغداد، والذي قدمت من خلاله فرنسا رسالة سيئة بأنها تبحث عن ملء فراغ الانسحاب الأمريكي من العراق ولعب دور أساسي في المنطقة منافس لأمريكا وضاغط على تركيا وقريب من إيران لتعويض فشلها في ليبيا وسوريا ولبنان.
    وفي مقابل هذا التراجع، يلاحظ كذلك خسارة فرنسا لمناطق نفوذها التاريخية في إفريقيا وتخليها عن أصدقائها، وخير مثال ما عبر عنه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رئيس وزراء مالي شوغيل كوكالا مايغا حين قال بأن فرنسا تخلت عن مالي في منتصف الطريق حين سحبت قواتها بشكل أحادي مما اضطرها إلى البحث عن شركاء آخرين مثل روسيا. هذا مثال آخر على سوء تقديرات فرنسا في المنطقة، وهو ما تستفيد منه قوى تبحث لها عن موقع قدم في إفريقيا مثل الصين وروسيا وتركيا وإسرائيل وأمريكا. هل كان صوابا إقدام فرنسا على إنهاء “عملية برخان” وتعويضها بتحالف دولي يضم دول المنطقة وأوربا؟ هل القرارات الخاصة بهذه الملفات تخضع فقط لحسابات الكلفة المالية؟ هل مراهنة فرنسا على تدخل جزائري في مالي كان خاطئا؟ وحدها الأيام القادمة ستوضح عدم رضى الفرنسيين، قبل غيرهم، عن هذا التدبير الذي يمرغ سمعة فرنسا في الوحل، ويضعف قوتها أمام شركائها في حلف الناتو والاتحاد الأوربي. ووحدهم الفرنسيون سيتأسفون على زمن الساسة الكبار الذين حافظوا على مكانتها ورمزيتها وكانوا يستحضرون رموز قوتها ويحسنون توظيف تنوعها ويقدرون قيمة مهاجريها ودورهم في بناء فرنسا ما بعد الحرب العالمية، أو فرنسا الجمهورية الخامسة.
    لم يعد حلفاء فرنسا التقليديون يطمئنون لمصداقيتها بسبب إصرارها على منطق التبعية الاستعمارية لرغباتها، ولأنها تمارس عليهم نفس ما تشتكي منه في علاقتها مع أمريكا، ولأنها لا تحترم مبدأ الندية في الشراكة التي تحترم سيادة باقي الدول، وبدأ مسلسل هجرة منظمة الفرنكفونية يتسع وتعويضه بالانضمام لمنظمة الكومنولث مع ما يتبع ذلك من ضرب للغة الفرنسية والثقافة الفرنسية والارتباط بالاقتصاد الفرنسي. وسيزداد هذا الانضمام انتشارا بعد النجاح الذي عرفته دولة مثل رواندا في ظرف عقد من الزمن فقط. لا تعي فرنسا أن عنصر قوتها لا يقتصر فقط على إمكاناتها الذاتية بل يكمن خارجها أساسا.
    الخاصية الداخلية التي تؤطر سباق الانتخابات الفرنسية هي وصول موجة التطرف اليميني ذروته وبلوغه درجة التأثير على التيارات الفرنسية التقليدية التي صارت بدورها مقتنعة بركوب موجة معاداة الهجرة والضرب في كل اتجاه لإذكاء شعبوية سيتضرر منها الجميع. سبق لأبي وائل أن تنبأ بأن فرنسا قد تشهد قريبا حكم اليمين المتطرف، واستطلاعات الرأي تبرز تصاعدا في نسبة شعبية مرشحي هذا اليمين بصورة سريعة ومزعجة. قد يبدو الأمر عاديا في ظل تصاعد هذه الموجة في دول كثيرة في أوربا، ولكن غير العادي أن تصيب هذه العدوى باقي التيارات فتلجأ للعب بالنار. وغير العادي أن يتعامل الإعلام الفرنسي معها باحتشام في دولة تدعي أنها دولة الأنوار ومهد ثقافة حقوق الإنسان ودولة المساواة والإخاء والحرية.
    لذلك، كان غريبا قرار فرنسا وسط هذا الأسبوع بتشديد شروط منح التأشيرات وتخفيض نصيب دول مغاربية منها بمبررات واهية وغير منطقية تخفي الخلفيات السياسوية والحسابات الانتخابية التي بات اليمين المتطرف يفرضها في السباق الانتخابي على الجميع. كيف تريد فرنسا التدخل في سيادة دول لتفرض عليها تعاملا تفضيليا حول شروط قبول مهجرين قسرا بدون توفر شروط استقبالهم؟ لماذا تريد فرنسا من المغرب قبول مهجرين بدون إجراء اختبار الكشف عن فيروس كورونا؟ لماذا لا تستحضر فرنسا هنا مبدأ التعامل بالمثل المعمول به في العلاقات الثنائية بين الدول؟ لماذا تريد فرنسا الحفاظ على سمعتها حقوقيا بعدم إجبار المهجرين على الخضوع لهذا الاختبار بسبب طابعه الاختياري وتجبر دولا أخرى على إخضاعهم لذلك في ترابها بعد دخولهم؟ أليس هذا هو ما استنكرته فرنسا على أمريكا حين تتحدث عن علاقة حليفين وليس تابع ومتبوع؟ ألا يعتبر هذا القرار تصديرا لأزمة داخلية فرنسية إلى دول أخرى؟ ألا تعزز مثل هذه القرارات الأحادية فرضية اعتبار فرنسا للدول المغاربية دركيا للحدود وكلاب حراسة تتولى تدبير مشاكلها الداخلية بالنيابة عنها؟
    لن يقود هذا التجاوب مع المنطق الانتخابي لليمين المتطرف فرنسا إلا إلى مزيد من التهميش والعزلة لأن منتهاه غير واضح ولا يمكن التحكم فيه. وقد وعدت مارين لوبن بإجراء تعديل دستوري يكرس أولوية التشريعات الفرنسية على التشريعات الأوربية في حالة فوزها. فما تأثير هذا المقترح على مكانة فرنسا وريادتها أوربيا؟
    وعود اليمين المتطرف في فرنسا تمس إرادة العيش المشترك في فرنسا وتهدم النسيج المجتمعي الفرنسي المتنوع وتقر بمواطنة بدرجات وتشيطن المهاجرين وتحملهم إخفاقات النخبة الفرنسية الحاكمة لعقود وتغرق البلاد في شعبوية وشعبوية مضادة سيتضرر منها كل الفرنسيين وكل فرنسا. والأكيد أن استغراق النقاش العمومي فيها لن يوصل فرنسا إلى حل مشاكلها وتجاوز عثراتها لأن التشخيص خاطئ من أساسه.
    على فرنسا أن تعي أن الزمن غير الزمن، وأن العلاقة مع الشركاء لا تكون بمنطق الإملاء والابتزاز والضغط، وأن الخيارات أمام كل الدول صارت متعددة، وأن قوتها مستقبلا لن تظهر إلا في نجاحها في التخلص الذاتي من مشاكلها وليس تصديرها إلى دول أخرى.
    لا يسع أبو وائل، وهو يتابع مثل هذه القرارات التي تستهدف الدول المغاربية مجتمعة إلا التأسف على حالة الشتات التي تسود هذا الاتحاد الذي كان يمكن لفرنسا أن تعمل له حسابا لو كان في أفضل حالاته. للأسف، الغباء الاستراتيجي لحكام الجزائر لا يعي أن مثل هذه القرارات ليست إلا مقدمة وأن تصاعد هذه الموجة لن يعود بخير على دول الاتحاد المغاربي المطلوب منها أن تكون متنفسا لأزمات فرنسا الداخلية وتؤدي فاتورة فشلها وتراجع وجودها دوليا.
    للأسف، صار الشغل الشاغل لحكام الجزائر هو المغرب و إلحاق الضرر به رغم علمهم المسبق أن ضررهم غير متحقَق ولن يوقف خطوات المغرب. شنقريحة المسكين ربط في تصريح ناري مؤخرا كل مآسي الجزائر بالمغرب والخطير أنه صار يصدق ذلك ويصرح بأن المغرب يقوم بمؤامرات ودسائس وحملات دعاية هدامة من أجل تحجيم دور الجزائر في المنطقة واستنزاف قدراتها، وتعطيل مسار تطويرها، ومحاولة ضرب وحدة شعبها، للضغط عليها لجعلها تتخلى عن مبادئها الثابتة وقيمها النبيلة وتتنكر لقضايا الأمة. أقول مسكين لأنه ببساطة يعيش في عالم قديم متجاهلا أن الجزائريين صار بإمكانهم متابعة ما يجري في بلادهم مباشرة عبر وسائط لا تخضع لحكمه وصنبوره المالي وهو الذي يتحكم بعسكره في كل قاعات التحرير تقريبا. ولأن المثل يقول “تبع الكذاب حتى باب الدار”، فقد صرح رئيسه، في الظاهر وعلى الأوراق فقط، تبون في نفس اليوم تقريبا، وهو يشرف على تنصيب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الأموال المكدسة الطائلة لابد أن تخرج لتمويل المشاريع وتوفير السيولة. فهل هذه الأموال مكدسة في المغرب؟! وتحدث تبون كذلك عن ضرورة مشاركة القطاع الخاص لتحقيق التنمية. فهل المغرب هو الذي أعاق مشاركة هذا القطاع أم هي الاختيارات العسكرية التاريخية التي أضاعت على الجزائريين أكثر من نصف قرن؟! وصرح تبون بأن “الاقتصاد الجزائري اقتصاد ريعي بعيد عن خلق الثروة، اقتصاد متخلف، أدخل اليأس في نفوس المواطنين.” فهل المغرب هو سبب ذلك؟ وهل هذا هو ما قصده شنقريحة باستنزاف المغرب لقدرات الجزائر؟! بالله عليكم يا جزائريين، أحرارا وحرائر، هل منكم من يصدق هذه الترهات؟ وهل صار خافيا على أحد منكم أن العسكر هو من استنزف أموال البلاد وثرواتها؟ وهو من استنزف مقدراتها بإغراقها في عشرية دموية سوداء؟ وهو من وضع إمكانياتها رهينة لعصابات البوليساريو بدون فائدة؟ وهو من جعلها في حالة مديونية وهي الغارقة في الثروات البترولية؟
    خطاب تبون كان اعترافا بفشل خيارات جزائر ما بعد الاستقلال، ولكنه ما يزال محتشما في تبني خيار بديل لأنه لن يملك الشجاعة لمصارحة العسكر بأنهم سبب هذا الفشل وبأن عليهم الابتعاد عن تدبير شؤون البلاد والبقاء في ثكناتهم لأنهم لم يوضعوا في تلك المناصب لممارسة السياسة التي لها أدواتها وأهلها. وخطاب شنقريحة كان خطاب البحث عن شماعة، ولكن خياله ليس واسعا لإيجاد ضحية جديد يمكن للجزائريين تصديقه ولو حتى حين لأن حبل الكذب قصير دائما.
    لا تزيد هذه الخطابات والسياسات الجزائريين إلا اقتناعا أن سبب مأساتهم هو نظامهم العسكري الحاكم، وأن طريق الحوار والإصلاح معه مسدود، والحل وحده في استمرار الحراك الشعبي. وطبيعة رد فعل المغرب وتجاهله لخطوات حكام الجزائر لا تزيدهم إلا تقديرا لدولة الجوار التي تفوت الفرصة على نظامهم ليعلن النفير العام بحرب يتمناها العسكر وهو يعلم مسبقا أن لا قدرة له على خوضها وغير مسموح له دوليا بالدخول فيها ولكنه يناور لإشغال الرأي العام الجزائري بعدو خارجي عسى يوحد ذلك جبهته الداخلية التي صارت أكثر وعيا بحقيقة مشاكل الجزائر وسببها والمتسبب فيها وطرق الخروج منها. هذا الشعار الذي يرفعه متظاهرو الحراكات الشعبية خير مثال: تبون مزور جابوه العسكر مكانش الشرعية الشعب تحرر هو اللي يقرر دولة مدنية.
    الشخصية الثالثة القديمة التي تعزف نفس النغمة الاستعدائية للمغرب هو رمطان لعمامرة. أصبح المسكين عرابا لجبهة البوليساريو يستحضرها أكثر مما يستحضر ملفات الجزائر وشعبها، ويتحدث عن قطع العلاقات مع المغرب لإقناع من يلتقيهم أكثر مما يتحدث عن المصالح الجزائرية. ولأنه ورث مقرر الدبلوماسية من زمن الحرب الباردة فإنه لا يفهم العمل الدبلوماسي غير جولات مكوكية ومنابر خطابة ومعطيات كمية مثل عدد اللقاءات وكم دامت من الزمن، ولا يلتفت أنه كمن يصب الماء في الرمل. أضاع لعمامرة كل حضوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد المغرب مدافعا عن الأطروحة القديمة للبوليساريو. تناسى عمدا المعطيات على الميدان وتزايد عدد ممثليات الدول في الصحراء المغربية ونسبة مشاركة الصحراويين في الانتخابات الأخيرة وما يزال يردد أن المغرب دولة محتلة وأن الملف تصفية استعمار وطيه لن يكون بغير استفتاء تقرير المصير!! وتناسى أنه مجرد دمية لدى العسكر لم يستشر في قرار غلق المجال الجوي للجزائر أمام الطائرات المغربية وتلقى الخبر مثل باقي الجزائريين عبر وسائل الإعلام. ولأنه يكن حقدا دفينا وتاريخيا للمغرب لم يفوت فرصة صدور حكم ابتدائي بدون أثر قانوني حول الاتفاقيات الزراعية والسمكية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية ليعتبره انتصارا ساحقا للبوليساريو ويتجاهل ما صدر بعده من توضيحات وإعلان مشترك بين الطرفين، المغرب والاتحاد الأوروبي، أكدا فيه أنهما سيظلان معبأين بالكامل، لمواصلة تعاونهما الثنائي والموحد للدفاع عن السلامة القانونية لاتفاقيات الشراكة القائمة بينهما. هذا هو التفكير والتحليل والاستنتاج الذي يمكن أن يصدر عمن يرى بعين واحدة وبخلفية عدائية وبأدوات قديمة، الحكم الإبتدائي للمحكمة الأوروبية يعرف الجميع أنه غير مؤسس على عناصر قانونية و له حمولة سياسية و إيديولوجية تجعل إلغاءه في المرحلة الإستئنافية أكثر من مضمونة، إلى ذلك الحين لاشيء سيتغير على الأرض خارج الفرقعة الإعلامية.
    الضربة القاضية لحكام الجزائر ستكون من داخلهم، وأول ما سيجني عليهم هو جمودهم وانغلاقهم على أفكار قديمة وعقيدة العداء للمغرب المتحكمة في كل تفكيرهم والموجهة لكل خطواتهم. وما يعجب أبو وائل صراحة هو انتباه المغرب الرسمي لهذه النقطة بالذات وبالتالي عدم إعطاء قرارات الجزائر أكثر مما تستحقه لأن أغلبها بدون أثر قانوني أو واقعي يستحق اهتماما وردا. سيبقى المغرب مقتنعا أن اتحادا مغاربيا موحدا مصلحة جماعية للدول والشعوب التي ستتضرر من القرار الفرنسي أكثر من الدول بحكم الارتباط الكبير للمصالح مع فرنسا، ولكن بالمقابل على فرنسا أن تعي بأن استمرارها في إعمال هذا القرار سيجعل شعوب المنطقة تختار وجهة أخرى، والأبواب متاحة في عالم مفتوح، وحينها سيكون المتضرر هو فرنسا التي ستخسر شركاء لن تعوضهم ولن تسترجعهم ولو بعد عمر طويل. على فرنسا أن تعي مرة أخرى أن منظمة الفرنكفونية قوتها الرمزية الناعمة في العالم وضعف هذه المنظمة يقابله ضعف لها.
    يأسف أبو وائل، وهو يتابع ترهات إعلام فرنسي مأجور صار مثل الذراع السياسي والعسكري لبعض اللوبيات الفرنسية. لم تكف هذه المنابر سقطة بيكاسوس الأولى التي كانت رصاصة فارغة أطلقتها في الهواء فارتدت شظاياها عليها، فلجأت مؤخرا إلى إعادة إحياء القضية بالحديث عن وزراء فرنسيين قدمتهم بأنهم كانوا تحت التنصت ببرمجية بيكاسوس، وكعادتها كان لا بد من إقحام المغرب في هذه القضية لأن المتحكمين في هذه المنابر لهم حساب مع المغرب ويريدون ابتزازه بأي ملف بعدما فشلت ورقة تسمم الأسمدة المغربية التي رد عليها المكتب الشريف للفوسفاط بحزم حين لجأ إلى مراسلة لجنة الأخلاقيات التابعة للمجموعة الإعلامية تلفزيون فرنسا بسبب الادعاءات المغلوطة وغير الصحيحة التي تضمنها الوثائقي الذي بثته إحدى قنواتها.
    لو كان هذا النوع من الإعلام الفرنسي يحترم ذكاء قرائه لطرح سؤالا حول ماهية مصلحة المغرب في استنزاف ماليته لشراء برمجية بثمن باهظ للتنصت على وزير أقاليم ما وراء البحار وعلى وزير التحول البيئي وعلى وزير التربية والتعليم وعلى وزيرة التنمية الإقليمية. ماذا سيستفيد المغرب من هذا كله؟ طبعا يلعب هذا النوع من وسائل الدعاية الفرنسية على التضليل وتكثيف النشر للتأثير على المتلقين، وينسى أن لحظة صفاء ذهني ستجعل كل واحد يتساءل عن الأهداف من تنصت المغرب على وزير ما وراء البحار. هل هناك مصالح استراتيجية للمغرب في كوادالوب والمارتينيك وغويانا مثلا؟ وهل يتنصت المغرب على وزير التحول البيئي لشن حرب بيئية على فرنسا في حالة الخلاف؟ من يتصف بذرة عقل حصيف أن يفكر بهذا المنطق؟ ومن يمكن أن يصل به الغباء حد تصديق هذه الأراجيف؟
    وحدهم الطوابرية أولاد الماما فرنسا مثل المعطي منجيب وبروكسي وفؤاد يصدقون وينخرطون ويضيفون التوابل إلى ما تقترفه تلك المنابر. هؤلاء الذين يعيشون معنا بأجسادهم ولكنهم علينا في ساعة الشدة والرخاء. هل سمعتم للمعطي ركزا ( الركز هو الصوت الخفي) في موضوع تقليص تأشيرات المغاربة من طرف فرنسا؟ أليس هذا موضوعا حقوقيا ينفع المغاربة قبل المخزن؟ لماذا لا يتبناه الحقوقيون؟ الجواب أنه في مصلحة ولي النعمة ويورط المخزن. سيكتشف الطوابرية أنهم أيتام ويراهنون على لوبيات فاسدة لا تسمح لهم بهامش حرية إلا وفق ما يخدم أجنداتها. وحينها لن يجدوا ملجأ وسط المغاربة لأنهم خبروهم وعرفوا حقيقتهم وتأذوا منهم. لماذا لم نسمع لكل الطوابرية تنديدا باستعمال ملف المهاجرين بهذا الشكل المهين في سباق انتخابي بطريقة تمييزية وعنصرية ومطبوعة بالكراهية؟ إنه الكيل بمكيالين الذي يجعل المغاربة ينفرون من كل الطوابرية.
    يحمد أبو وائل الله أنه استخدم قلمه المتواضع في فضح الطوابرية زمن سطوتهم، أما الآن فموقفهم ضعيف وأفعالهم مفضوحة وحيلهم لم تعد تنطلي على أحد.
    نلتقي في بوح قادم.

  • المصدر: شوف تي في
    تعليقات الزوّار (0)

    *

    التالي
    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة وتعلن عن خطوة استراتيجية جديدة